من الأساليب التي أجد تفكيري يتوجّه إليها بصورة دائمة؛ هو أسلوب جرد الأحداث التي حصلت لي في حياتي؛ بدءً من مولدي إلى يومي هذا. ذلك أني ألحظ مع هذا الأسلوب توسُّع مداركي أكثر لفَهم الميول الذي وضعه اللهُ سُبحانه بي، والمسير الذي يتناسب وهذا الميول.
الليلة على سبيل المثال جلستُ إلى مكتبي لأقومَ بعمل بعض التقييمات الذاتية؛ فكان أن كتبت:
التساؤل الذي قد يحصُل؟ كيف نصل لتلكَ الدقة الشديدة؟ والجواب باختصار، يكمُن في : “العناية بدراسة مراحل حياتنا السابقة دراسة تأمليّة ثاقبة، ولو لمرة واحدة فقط” . وهذا هو ما أقصده بأسلوب جرد الأحداث.
أورد على سبيل المثال بعض ما ستجدينك تنساقين لتدوينه خلال هذا التتبع: أبرز وأهم الأحداث التي حصلت في تلك المرحلة. (وهي مابين أحداث عامة “كالأحداث السياسية مثلاً” إذ لا يخفى تأثيرها على الجو العام والغالب للناس، والأحداث الخاصة؛ والتي سيتم تقسيمها بناء على مؤثّرات مُختلفة كانت تتحكم فيها وقد أطلقت على كُل مؤثر اسم السلطة: وباستقرائي لتلكَ السُّلطات ؛ خلُصت إلى أهمّ ٤ سُلطات مؤثرة في سِمات حياتِك الحالية، وخصائصها العامة وهم:
وهي ما يتجسد في التجارب المهمة جداً والبارزة التي نُعاينها من محيط العائلة (سلوكات، مُعامَلات، مواقف، وكلمات ذات وقع، تجارُب تُظهر ميولاتي).
وتتعلق بالمُدخلات من التلفاز في فترة ما، والمذياع قبلَه، فستحتاجين للتأمُّل في المُدخلات التي كنتِ تعتنين بسماعها أو مشاهدتها بشكل متكرر من خلال تلك الوسائل؛ وستلاحظين القدر الكبير جداً الذي ساهمت فيه في صياغة تشكيلتك الشرعية والفكرية والشخصية. ثمّ مع انتشار مواقع التواصل بأنواعها بدءً من سنة ٢٠٠٤…تقريباً(تنبني تشكيلتك وفق مُتابَعات، أشخاص، أفكار- وذلك يعتمد على الفئة التي كنتِ تلازمينَها غالباً).
وهي الدراسة داخل منظومة المدرسة أو خارجها من منصّات مؤسسية وتعليمية ، وما يكتنفها من أساليب دراسية، أخلاق مُدرسين، تجارب -الصداقة والزّمالة- إضافةً إلى ما يدخل في إطار المُحيط التعليمي من نشاطات، مقروءات، وأطروحات).
مثل اقتحام المسجد الأقصى ٢٠٠٠، أحداث سبتمبر٢٠٠١، الربيع العربي٢٠١١ : يجب أن ننظر للأحداث التاريخية التي حصلت وتحصُل من حولنا بوضوح، فهي تُساهم بشكل كبير في تغيير ثقافات ونظرات الناس، ومن المهمّ أن أتأكد من أن -نظرتي- لها خالية من التهويل والتفاعُل الزائد والمُبالَغ فيه معها، وكأنها هي المتحكم الأوّل والأخير بي! هذا مُنعطَف نحتاج أن نهتم بأن لا ننزلق معه خلالَ قيامنا بعملية جرد أحداث حياتِنا، وذلك لنظفَر بالاستمتاع في نظرتِنا للحياة عامةً، ورؤية المزايا التي لم نُحرمها -ولله الحمد- رُغم وجود الكثير من الحملات والأحداث الرامية لزعزعة الدين من الوجود. و معالم الدين لن تندثر مهما تصورنا ذلك.
لعلّي أؤكد أن من أبرز فوائد هذه الخطوة هو الوعي الدقيق بمسيري، وهذا الوعي هو الذي سيقودني لتوجيه نفسي نحو التوازن الذي أرومُه في حياتي وفي سيري إلى الله ، فحينما كنت أتتبع مرحلةً ما ، ولاحظتُ أن الغالب عليّ فيها كان هو التعامل الرائع والحسن مع الناس! فأجلس أتذكر حين ذلك : المُترادفات التي جعلتني أُتقن ذلك النمط الممتاز في التعامل، وأسير عليه فترة جيدة.. فهنا يجيء دور *ملَكة الاستصحاب*؛ فأستصحب الأمور التي كانت سبباً في جعلي بذلك السمت الممتاز في تلك الفترة، وأبدأ ألاحظ المؤثرات التي تسببت في تراجعه سلباً، لأعود للتركيز عليه مجدداً مع التنبه للمؤثرات السلبية ومحاولة تلافيها.
الحمدلله معالم الدين موجودة في كل مكان (ويأبى الله إلا أن يتمّ نوره) تذكري هذه الآية في أي لحظةَ تشعرين معها بتهويلٍ تجاه هذه الجزئية -التي هي في حقيقتها أهمّ قضيّة يمكن أن يحويها قلب مُسلمة تعيش الحياة في همّ أن تلقى الله ثابتة مُعتزة بدينها، مغتبطة بالثبات عليه.
من الكياسة والفطنة أن نستثمر الاستذكار في إعادة بناء شخصيّتِنا بصورة أفضل، وهذا يتحقق لنا من خلال القيام بجرد تفصيلي لأحداث حياتنا على طول الفترات السابقة، والوقوف مع كل فترة، واقتناص الحسَن منها ومن ثمّ التركيز على إعادة تفعيله في واقع حياتنا الحالية مُجدداً ، ولنجتنب تفعيل هذا التذكُّر في استحضار الخيبات، والانكسارات، ومواطن الهدم، بل نستثمر هذه الخطوة ونبدأ نفكر كيف نضيف لشخصياتنا شيئاً ونزيد في سِماتِنا أشياء.